ترجمة مركز الإعلام: كتب المدير التنفيذي لمنظمة “بيتسيلم” الإسرائيلية (هاغاي العاد) رسالة عبر صحيفة الغارديان البريطانية، ينتقد فيها السياسات الإسرائيلية العنصرية ضد الفلسطينيين، ويطالب بتحقيق العدل وإلغاء جميع السياسات الإسرائيلية التي تسعى فيها دولة الاحتلال إلى تحقيق التفوق اليهودي على الطرف الفلسطيني. وفيما يلي ترجمة رسالة “العاد” كما ورد على صحيفة الغارديان باللغة الإنجليزية:
إن التعزيز المنهجي لتفوق مجموعة من الناس على مجموعة أخرى لهو عمل غير أخلاقي على الإطلاق، بل يجب أن ينتهي. لا يمكن للمرء أن يعيش يومًا واحدًا في إسرائيل وفلسطين دون الشعور بأن هذا المكان يتم تصميمه باستمرار لامتياز شعب واحد فقط وهو الشعب اليهودي، علما بأن نصف الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط هم فلسطينيون. وبالطبع، أنا لا نتحدث فقط عن التصريحات الرسمية التي تتعلق بهذا الموضوع، مثل تأكيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في عام 2019 بأن “إسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها”، أو القانون الأساسي “للدولة القومية” الذي يكرس”تطوير الاستيطان اليهودي كقيمة وطنية”. إن ما أحاول الوصول إليه هو إحساس أعمق بالناس على أنهم غير مرغوب بهم، وهذا ما تعرضت له تدريجياً منذ اليوم الذي ولدت فيه في حيفا.
وعلى الرغم من وجود تكافؤ ديموغرافي بين الشعبين، إلا أن الحياة تدار بحيث يتمتع نصفها فقط بالغالبية العظمى من السلطة السياسية وموارد الأرض والحقوق والحريات والحماية. إن الحفاظ على هذا الحرمان من الحقوق يعد إنجازًا رائعًا بالنسبة للبعض. والأكثر من ذلك، أنه يتم تسويق ذلك بنجاح على أنها ديمقراطية داخل “الخط الأخضر”، وهو الخط الذي يرتبط به الاحتلال المؤقت. في الواقع، تتحكم الحكومة بالجميع وبكل شيء بين النهر والبحر، وكل شيء تحت سيطرتها، وتعمل على تعزيز واستدامة سيادة اليهود على الفلسطينيين، هذا هو الفصل العنصري.
لا توجد بوصة مربعة واحدة يتساوى فيها الفلسطيني واليهودي في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. الأشخاص الوحيدون من الدرجة الأولى هنا هم مواطنون يهود مثلي، ونحن نتمتع بهذه المكانة داخل حدود 1967 وخارجها، في الضفة الغربية. يتحد الفلسطينيون الذين يعيشون تحت حكم إسرائيل كونهم جميعًا غير متساوين بالإضافة للاختلافات العديدة في الدونية التي تخضعهم لها إسرائيل.
إن تطبيق نسختنا من الفصل العنصري يتجنب أنواعًا معينة من القبح على عكس نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، حيث لا يوجد في إسرائيل لافتات مكتوب عليها “للبيض فقط” على المقاعد حيث أن “حماية الطابع اليهودي” للمجتمع أو للدولة نفسها هي واحدة من العبارات الملطفة المستترة لمحاولة إخفاء الحقيقة. ومع ذلك، فإن الجوهر نفسه. إن عدم اعتماد إسرائيل تعريفات بشأن لون البشرة لا يحدث فرقًا حيث أن حقيقة التفوق هي جوهر المسألة ويجب هزيمتها.
نقوم بهندسة التركيبة السكانية ديموغرافيًا من خلال العمل على زيادة عدد اليهود والحد من عدد الفلسطينيين ونسمح بالهجرة اليهودية مع المواطنة التلقائية إلى أي مكان تسيطر عليه إسرائيل. بالنسبة للفلسطينيين، العكس صحيح: لا يمكنهم الحصول على الأحوال الشخصية في أي مكان تسيطر عليه إسرائيل حتى لو كانت عائلاتهم من هنا. وبالتالي، هكذا يتم تحقيق التفوق اليهودي على جانبي الخط الأخضر وتطبيقه.
نحن نصمم السلطة من خلال تخصيص أو إنكار الحقوق السياسية حيث يحق لجميع المواطنين اليهود التصويت ويمكن لجميع اليهود أن يصبحوا مواطنين، لكن أقل من ربع الفلسطينيين الخاضعين للحكم الإسرائيلي يحملون الجنسية ويمكنهم بالتالي التصويت. في 23 آذار /مارس المقبل، عندما يذهب الإسرائيليون ويصوتون للمرة الرابعة خلال عامين، لن يكون ذلك احتفالًا بالديمقراطية كما يُشار غالبًا إلى الانتخابات، بل سيكون يومًا آخر يرى فيه الفلسطينيون المحرومون من حقوقهم أن مستقبلهم يقرره الآخرون.
علاوة على ذلك، نحن نسيطر على الأرض من خلال مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية، والحفاظ على عدم تنميتها واستخدامها لبناء المدن والأحياء والمستوطنات اليهودية. نقوم بذلك منذ قيام الدولة عام 1948 داخل الخط الأخضر. أما في القدس الشرقية والضفة الغربية، نقوم بذلك منذ بدء الاحتلال عام 1967. والنتيجة هي أن المجتمعات الفلسطينية في أي مكان بين النهر والضفة الغربية البحر تواجه بأي وقت عمليات الهدم والتهجير والفقر والاكتظاظ، بينما يتم تخصيص موارد الأرض نفسها لتنمية المدن والأحياء اليهودية الجديدة.
نحن نقوم كذلك بتقييد حركة الفلسطينيين حيث تعتمد الغالبية على التصاريح ونقاط التفتيش الإسرائيلية للتنقل بين منطقة وأخرى وكذلك للسفر دوليًا. أما بالنسبة للمليوني شخص في قطاع غزة، فإن القيود المفروضة على السفر هي الأشد لأن إسرائيل جعلت غزة أحد أكبر السجون المفتوحة على وجه الأرض.
حيفا، مسقط رأسي، كانت حقيقة ثنائية القومية للتكافؤ الديمغرافي حتى عام 1948. من بين حوالي 70 ألف فلسطيني كانوا يعيشون في حيفا قبل النكبة، بقي أقل من العُشر بعد ذلك. لقد مر ما يقرب من 73 عامًا منذ ذلك الحين، والآن أصبحت إسرائيل وفلسطين حقيقة ثنائية القومية للتكافؤ الديمغرافي. لقد ولدت هنا وأريد أن أبقى لكنني أطالب أن أعيش في مستقبل مختلف تمامًا.
شهد الماضي الكثير من الصدمات والظلم ويتكرر في الوقت الحاضر وباستمرار. يجب أن يكون المستقبل مختلفًا تمامًا ويتمثل برفض السيادة، والالتزام بالعدالة وإنسانيتنا المشتركة. إن تسمية الأشياء باسمها الصحيح – الفصل العنصري – ليست لحظة يأس بل إنها لحظة وضوح أخلاقي، وهي خطوة في مسيرة طويلة مستوحاة من الأمل.